فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه}
قال أهل التفسير إن إخوة يوسف لما أقروا أن جزاء السارق أن يسترق سنة قال أصحاب يوسف لابد من تفتيش رحالكم فردوهم إلى يوسف فأمر بتفتيشها بين يديه فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه لإزالة التهمة فجعل يفتش أوعيتهم واحدًا واحدًا.
قال قتادة: ذكر لنا أنه كان لا يفتح متاعًا ولا ينظر وعاء إلا استغفر تأثمًا مما قذفهم به حتى لا يبق إلا رحل بنيامين قال ما أظن هذا أخذ شيئًا قال إخوته والله لا نتركك حتى تنظر في رحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا فلما فتحوا متاعه وجدوا الصواع فيه فذلك قوله تعالى: {ثم استخرجها من وعاء أخيه} إنما أنَّث الكناية لأنه ردها إلى السقاية، وقيل: إن الصواع يذكر ويؤنث فلما أخرج الصواع من رحل بنيامين نكس إخوة يوسف رؤوسهم من الحياء وأقبلوا على بنيامين يلومونه ويقولون له ما صنعت بنا فضحتنا وسودت وجوهنا يا بني راحيل ما زال لنا منكم بلاء حتى أخذت هذا الصواع، فقال بنيامين: بل بنو راحيل ما زال لهم منكم بلاء ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية إن الذي وضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالكم قالوا فأخذ بنيامين رقيقًا، وقيل: إن المنادي وأصحابه هم الذين تولوا تفتيش رحالهم وهم الذين استخرجوا الصواع من رحل بنيامين فأخذه برقبته وردوه إلى يوسف: {كذلك كدنا ليوسف} يعني ومثل ذلك الكيد كدنا ليوسف وهو إشارة إلى الحكم الذي ذكره إخوه يوسف باسترقاق السارق أي مثل ذلك الحكم الذي ذكره إخوة يوسف حكمنا ليوسف ولفظ الكيد مستعار للحيلة والخديعة وهذا في حق الله محال فيجب تأويل هذه اللفظة بما يليق بجلال الله سبحانه وتعالى فنقول الكيد هنا جزاء الكيد يعني كما فعلوا بيوسف بأن حكموا أن جزاء السارق أن يسترق كذلك ألهمنا يوسف حتى دس الصواع في رحل أخيه ليضمه إليه على ما حكم به إخوته، وقال ابن الأعرابي: الكيد التدبير بالباطل وبحق فعلى هذا يكون المعنى كذلك دبرنا ليوسف، وقيل: صنعنا ليوسف، وقال ابن الأنباري: كدنا وقع خبرًا من الله عليّ خلاف معناه في أوصاف المخلوقين فإنه إذا أخبر به عن مخلوق كان تحته احتيال وهو في موضع فعل الله معرى من المعاني المذمومة ويخلص بأنه وقع بمن يكيده تدبير ما يريده به من حيث لا يشعر ولا يقدر على دفعه فهو من الله مشيئة بالذي يكون من أجل أن المخلوق إذا كاد المخلوق في ستر عنه ما ينويه ويضمره له من الذي يقع به من الكيد فهو من الله تعالى أستر إذ هو ما ختم به عاقبته والذي وقع بإخوة يوسف من كيد الله هو ما انتهى إليه شأن يوسف من ارتفاع المنزلة وتمام النعمة وحيث جرى الأمر على غير ما قدر من إهلاكه وخلوص أبيهم له بعده وكل ذا جرى بتدبير الله تعالى وخفي لطفه سماه كيدًا لأنه أشبه كيد المخلوقين فعلى هذا يكون كيد الله ليوسف عائدًا إلى جميع ما أعطاه الله وأنعم به عليه على خلاف تدبيره وإخوته من غير أن يشعروا بذلك وقوله تعالى: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} يعني في حكم الملك وقضائه لانه كان في حكم الملك أن السارق يضرب ويغرم ضعفي قيمة المسروق يعني في حكم الملك وقضائه فلم يتمكن يوسف من حبس أخيه عنده في حكم الملك فالله تعالى ألهم يوسف ما دبره حتى وجد السبيل إلى ذلك: {إلا أن يشاء الله} يعني أن ذلك الأمر كان بمشيئة الله وتدبيره لأن ذلك كله كان إلهامًا من الله ليوسف وإخوته حتى جرى الأمر على وفق المراد: {نرفع درجات من نشاء} يعني بالعلم كما رفعنا درجة يوسف على إخوته وفي هذه الآية دلالة على أن العلم الشريف أشرف المقامات وأعلى الدرجات لأن الله تعالى مدح يوسف ورفع درجته على إخوته بالعلم وبما ألهمه على وجه الهداية والصواب في الأمور كلها: {وفوق كل ذي علم عليم} قال ابن عباس: فوق كل عالم عالم إلى أن ينتهي العلم إلى الله تعالى فوق كل عالم لأنه هو الغني بعلمه عن التعليم وفي الآية دليل على أن إخوة يوسف كانوا علماء وكان يوسف أعلم منهم، قال ابن الأنباري: يجب أن يتهم العالم نفسه ويستشعر التواضع لمواهب ربه تعالى ولا يطمع نفسه في الغلبة لأنه لا يخلو عالم من عالم فوقه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ}
الوعاء: الظرف الذي يحفظ فيه الشيء، وتضم واوه، ويجوز أن تبدل واوه همزة.
{فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون} قيل: قال لهم من وكل بهم: لابد من تفتيش أوعيتكم، فانصرف بهم إلى يوسف، فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء بنيامين لنفي التهمة، وتمكين الحيلة، وإبقاء ظهورها حتى بلغ وعاءه، فقال: ما أظن هذا أخذ شيئًا فقالوا: والله ما تتركه حتى تنظر في رحله، فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا، فاستخرجوه منه.
وقرأ الحسن {من وعاء} بضم الواو، وجاء كذلك عن نافع.
وقرأ ابن جبير: {من إعاء} بإبدال الواو المكسورة همزة كما قالوا: إشاح وإسادة في وشاح ووسادة، وذلك مطرد في لغة هذيل، يبدلون من الواو المكسورة الواقعة أولًا همزة، وأنث في قوله ثم استخرجها على معنى السقاية، أو لكون الصواغ يذكر ويؤنث.
وقال أبو عبيد: يؤنث الصواع من حيث سمى سقاية، ويذكر من حيث هو صاع، وكان أبا عبيد لم يحفظ تأنيث الصواع.
وقيل: الضمير في قوله: ثم استخرجها عائد على السرقة، كذلك أي مثل ذلك الكيد العظيم كدنا ليوسف يعني: علمناه إياه، وأوحينا به إليه.
وقال الضحاك، والسدي: كدنا صنعنا.
قال ابن عطية: وأضاف الله تعالى الكيد إلى ضميره، لما أخرج القدر الذي أباح ليوسف أخذ أخيه مخرج ما هو في اعتياد الناس كيد.
وفسر ابن عباس في دين الملك بسلطانه، وفسره قتادة بالقضاء والحكم انتهى.
وقال الزمخشري: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك تفسير للكيد وبيان له، لأنه كان في دين ملك مصر، وما كان يحكم به في السارق أن يغرم مثلي ما أخذ إلا أن يلزم ويستعبد، إلا أن يشاء الله، إلا بمشيئته وإذنه.
وقال ابن عطية: والاستثناء حكاية حال التقدير: إلا أن يشاء الله ما وقع من هذه الحيلة انتهى.
والذي يظهر أنه استثناء منقطع أي: لكن بمشيئة الله أخذه في دين غير الملك، وهو دين آل يعقوب: أنّ الاسترقاق جزاء السارق.
وقرأ الكوفيون، وابن محيصن: {نرفع} بنون {درجات} منونًا {من نشاء} بالنون، وباقي السبعة كذلك، إلا أنهم أضافوا درجات.
وقرأ يعقوب بالياء في {يرفع} و{يشاء} أي: يرفع الله درجات من يشاء رفع درجاته.
وقرأ عيسى البصرة: {نرفع} بالنون {درجات} منونًا {من يشاء} بالياء.
قال صاحب اللوامح: وهذه قراءة مرغوب عنها تلاوة وجملة، وإن لم يمكن إنكارها.
وقال ابن عطية: وقرأ الجمهور {نرفع} على ضمير المعظم وكذلك {نشاء}.
وقرأ الحسن وعيسى ويعقوب: بالياء أي: الله تعالى انتهى.
ومعناه في العلم كما رفعنا درجة يوسف فيه.
و{عليم} صفة مبالغة.
وقوله: {ذي علم} أي: عالم.
فالمعنى أن فوقه أرفع منه درجة في علمه، وهذا معنى قول الحسن وقتادة وابن عباس.
وعن أن العليم هو الله عز وجل.
قيل: روى عنه أنه حدث بحديث عجيب، فتعجب منه رجل ممن حضر فقال: الحمد لله، وفوق كل ذي علم عليم، فقال له ابن عباس: بئس ما قلت، إنما العليم الله، وهو فوق كل ذي علم.
وقرأ عبد الله: {وفوق كل ذي عالم} فخرجت على زيادة ذي، أو على أن قوله عالم مصدر بمعنى علم كالباطل، أو على أن التقدير: وفوق كل ذي شخص عالم.
روي أن أخوة يوسف عليه السلام لما رأوا إخراج الصواع من رحل أخيهم بنيامين قالوا: يا بنيامين ابن راحيل قبحك الله، ولدت أمك أخوين لصين، كيف سرقت هذه السقاية؟ فرفع يديه إلى السماء وقال: والله ما فعلت، فقالوا: فمن وضعها في رحلك؟ قال: الذي وضع البضاعة في رحالكم.
وقال الزمخشري ما معناه: رموا بالسرقة تورية عما جرى مجرى السرقة من فعلهم بيوسف.
وإن كنتم كاذبين، فرض لانتفاء براءتهم، وفرض التكذيب لا يكون تكذيبًا على أنه لو صرح به كما صرح بالتسريق لكان له وجه، لأنهم قالوا: {وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب} والكيد حكم الحيل الشرعية التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية كقوله: وخذ بيدك ضغثًا فيتخلص من جلدها ولا يحنث.
وقول ابراهيم عليه السلام: هي أختي لتسلم من يد الكافر.
وعلم الله في هذه الحيلة التي لقنها ليوسف مصالح عظيمة، فجعلها سلمًا وذريعة إليها، فكانت حسنة جميلة انتهى. اهـ.

.قال الثعالبي:

قوله سبحانه: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ...} الآية: بدؤه أيضًا من أوعيتهم تمكينٌ للحِيلَةِ، وإِبعادٌ لظُهُور أنها حيلةٌ، وأضافَ اللَّه سبحانَهُ الكَيْدَ إِلى ضميره؛ لَمَّا خَرَجَ القَدْرُ الذي أباح به ليُوسُفَ أَخْذَ أخِيهِ مَخْرَجَ ما هو في اعتقاد النَّاس كَيْدٌ، وقال السُّدِّيُّ والضَّحَّاك: {كِدْنَا}: معناه: صَنَعْنَا، و: {دِينِ الملك}: فسَّرَه ابن عباس بسُلْطَانِهِ، وفسَّره قتادة بالقضاءِ والحُكُم، وهذا متقاربٌ، قال ابن العربيِّ في (أحكامه): قوله تعالى: {كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الملك}، إذ كان المَلِكُ لا يَرَى استرقاق السَّارق، وإِنما كان دِينُهُ أنْ يأخذ المجنيُّ عليه من السارق مِثْلَي السَّرقَةِ. {إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله}: التزام الإِخوة لدين يعقوبَ بالاسترقاق، فَقَضَى عليهم به، انتهى.
قال * ع *: والاستثناء في هذه الآيةِ حكايةُ حال التقديرِ، إِلا أنْ يشاء اللَّه مَا وَقَعَ من هذه الحيلةِ، وروَى أبو عمر بْنُ عَبْدِ البَرِّ بسنده، عن مالك، عن زيد بن أسلم؛ أنه قال في قَوْلِهِ عَزَّ وجلَّ: {نَرْفَعُ درجات مَّن نَّشَاءُ}: قال: بالعلْمِ، انتهى من (كتاب العلم).
وقوله سبحانه: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، المعنى: أنَّ البَشَرَ في العلْمِ درجاتٌ، فكلُّ عالمٍ فلابد مِنْ أعْلَمَ منه، فَإِما من البَشَرِ، وإِما اللَّه عزَّ وجلَّ، فهذَا تأويلُ الحَسَن وقتادة وابن عباس وروي أيضًا عن ابن عبَّاس: إِنما العليمُ اللَّهُ، وهو فوقَ كل ذي علم.
قال ابن عطاء في (التنوير): اعلم أنَّ العلْمَ حيثُ ما تكرَّر في الكتاب العزيز، أو في السُّنَّة، فإِنما المراد به العِلْمُ النافِعُ الذي تقارنُهُ الخشية، وتكتنفه المَخَافة. انتهى.
قال الشيخ العارفُ أبو القاسم عبْدُ الرحمن بْنُ يوسُفَ اللَّجَائيُّ رحمه اللَّه: إِذا كَمُلَتْ للعبدِ ثلاَثُ خِصَالٍ، وصَدَقَ فيها، تفجَّرَ العْلْمُ مِنْ قَلْبِهِ على لسانه، وهي الزُّهْد، والإِخلاص، والتقوى، قال: ولا مَطْمَعَ في هذَا العلْمِ المذكور إِلا بَعْدَ معالجة القَلْبِ مِنْ علله التي تشينه، كالكِبْر، والحَسَد، والغَضَبِ، والرياء، والسُّمْعة، والمَحْمَدَة والجاه، والشَّرَف، وعُلُوِّ المنزلة، والطمَعِ، والحِرْصِ، والقَسْوة، والمُدَاهَنة، والحِقْد، والعَدَاوة، وكلِّ ما عَدَدْنَاهُ من العلل، وما لم نَعُدَّهُ راجعٌ إِلى أصل واحدٍ، وهو حبُّ الدنيا، لأنَّ حبها عنه يتفرَّعُ كلُّ شر، وعنه يتشعَّب كلُّ قبيح، فإِذا زالَتْ هذه العِلَلُ ظهر الصِّدْق، والإِخلاص، والتواضُعُ، والحِلْم، والوَرَعِ، والقَنَاعة، والزُّهْد، والصَّبْر، والرِّضا، والأُنْسُ، والمَحَبَّة، والشَّوْق، والتوكُّل، والخَشْية، والحُزْن، وقِصَر الأَمَلِ، وَمِزَاجُ النية بالعمل، فينبُعُ العِلْمُ، وينتفي الجَهْل، ويضيءُ القَلْب بنور إلاهيٍّ، ويتلألأ الإِيمان، وتوضح المعرفةُ، ويتَّسِعُ اليقينُ، ويتقوَّى الإِلهام، وتبدو الفراسَاتُ، ويصفى السرُّ، وتتجلَّى الأسرار، وتوجد الفوائدُ.
قال رحمه اللَّه: وليس بَيْنَ العبدِ والترقِّي مِنْ سُفْلٍ إِلى عُلْوٍ إِلاَّ حُبُّ الدنيا؛ فإِن الترقِّي يتعذَّر مِنْ أجْل حبِّها؛ لأنها جاذبة إِلى العالَمِ الظلمانيِّ، وطباعُ النفوس لذلك مائلةٌ، فإِنْ أردتَّ أنْ تقتفي أثَرَ الذاهِبينَ إِلى اللَّه تعالى، فاستخف بدنياك، وانظرها بعَيْن الزَّوال، وأَنْزِلْ نَفْسَكَ عندَ أخْذِ القُوتِ منها منزلَةَ المُضْطَرِّ إِلى الميتة، والسَّلام. انتهى.
وروي أن المفتِّش كان إِذا فَرَغَ من رَحْلِ رَجُلٍ، فلم يجدْ فيه شيئًا، استغفر اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فعله ذلك، وظاهر كلام قتادة وغيره؛ أنَّ المستغفِرَ هو يُوسُفُ حتى انْتَهَى إِلى رَحْلِ بِنْيَامِينَ، فقال: ما أظَنُّ هذا الفتى رضي بهذا، ولا أخذ شيئًا، فقال له إِخوته: واللَّهِ، لاَ تَبْرَحْ حَتَّى تُفَتِّشَهُ، فهو أطْيَبُ لنفسك ونفوسِنَا، فَفَتَّشَ حينئِذٍ، فأخْرَجَ السِّقاية، وروي أنَّ أُخوة يوسُفَ لما رأَوْا ذلك، عَنَّفُوا بِنْيَامِينَ، وقالوا له: كَيْفَ سَرَقْتَ هذه السِّقَايَةَ؟ فقال لهم: واللَّهِ، ما فَعَلْتُ، فَقَالُوا له: فَمَنْ وَضَعَهَا في رَحْلِكَ؟ قالَ: الذي وَضَعَ البِضَاعَةَ في رِحَالِكُمْ، والضمير في قوله: {استخرجها}: عائدٌ على السِّقاية، ويحتمل على السَّرقة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَبَدَأَ} يوسف بعد ما رجَعوا إليه للتفتيش: {بِأَوْعِيَتِهِمْ} بأوعية الإخوةِ العشرةِ أي بتفتيشها: {قَبْلَ} تفتيش: {وِعَاء أَخِيهِ} بنيامين لنفي التهمة. روي أنه لما بلغت النوبةُ إلى وعائه قال: ما أظن هذا أخذ شيئًا، فقالوا: والله لا نترُكه حتى تنظرَ في رحله فإن أطيبُ لنفسك وأنفسنا: {ثُمَّ استخرجها} أي السقاية أو الصُّواعَ فإنه يذكر ويؤنث: {مِن وِعَاء أَخِيهِ} لم يقل منه على رجع الضميرِ إلى الوعاء أو من وعائه على رجعه إلى أخيه قصدًا إلى زيادة كشفٍ وبيان، وقرئ بضم الواو بقلبها همزة كما في أشاح في وشاح: {كذلك} نُصب على المصدرية والكافُ مقحمةٌ للدَلالة على فخامة المشارِ إليه وكذا ما في ذلك من معنى البُعد أي مثلَ ذلك الكيدِ العجيبِ وهو عبارةٌ عن إرشاد الإخوةِ إلى الإفتاء المذكورِ بإجرائه على ألسنتهم وبحملهم عليه بواسطة المستفتين من حيث لم يحتسبوا فمعنى قوله عز وجل: {كِدْنَا لِيُوسُفَ} صنعنا له ودبّرنا لأجل تحصيل غرضِه من المقدمات التي رتبها من دس الصُواعِ وما يتلوه، فاللام ليست كما في قوله: {فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا} فإنها داخلة على المتضرِّر على ما هو الاستعمالُ الشائع وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ في دِينِ الملك} استئنافٌ وتعليلٌ لذلك الكيدِ وصُنعه لا تفسيرٌ وبيانٌ له كما قيل، كأنه قيل: لماذا فعل ذلك؟ فقيل: لأنه لم يكن ليأخذ أخاه بما فعله في دين الملِكِ في أمر السارق أي في سلطانه، قاله ابن عباس، أو في حكمه وقضائِه، قاله قتادة، إلا به لأن جزاءَ السارقِ في دينه إنما كان ضربَه وتغريمَه ضعفَ ما أخذ دون الاسترقاق والاستعباد كما هو شريعةُ يعقوبَ عليه السلام فلم يكن يتمكن بما صنعه من أخذ أخيه بالسرقة التي نسبها إليه حال من الأحوال: {إِلاَّ أَن يَشَاء الله} أي إلا حالَ مشيئتِه التي هي عبارةٌ عن إرادته لذلك الكيدِ أو إلا حالَ مشيئتِه للأخذ بذلك الوجهِ، ويجوز أن يكون الكيدُ عبارةً عنه وعن مباديه المؤدِّية إليه جميعًا من إرشاد يوسفَ وقومِه إلى ما صدر عنهم من الأفعال والأقوالِ حسبما شرح مرتبًا لكن لا على أن يكون القصرُ المستفادُ من تقديم المجرورِ مأخوذًا بالنسبة إلى غيره مطلقًا على معنى مثلَ ذلك الكيدِ كدنا لا كيدًا آخرَ إذ لا معنى لتعليله بعجز يوسفَ عن أخذ أخيه في دين الملكِ في شأن السارقِ قطعًا إذ لا علاقة بين مطلقِ الكيد ودينِ الملك في أمر السارق أصلًا بالنسبة إلى بعضه على معنى مثلَ ذلك الكيدِ البالغ إلى هذا الحد كدنا له ولم نكتف ببعض من ذلك لأنه لم يكن يأخذ أخاه في دين الملك به إلا حالَ مشيئتِنا له بإيجاد ما يجري مجرى الجزءِ الصّوري من العلة التامة وهو إرشادُ إخوتِه إلى الإفتاء المذكور، وعلى هذا ينبغي أن يحمل القصرُ في تفسير من فسر قوله تعالى: {كِدْنَا لِيُوسُفَ} بقوله: علّمناه إياه وأوحينا به إليه أي مثلَ ذلك التعليم المستتبعِ لما شرح مرتبًا علّمناه دون بعض من ذلك فقط الخ، وعلى كل حال فالاستئناءُ من أعم الأحوال كما أشير إليه، ويجوز أن يكون من أعم العلل والأسبابِ أي لم يكن يأخذ أخاه لعلة من العلل أو بسبب من الأسباب إلا لعلة مشيئتِه تعالى أو إلا بسبب مشيئتِه تعالى، وأيًا ما كان فهو متصلٌ لأن أخذَ السارق إذا كان ممن يرى ذلك ويعتقده دينًا لاسيما عند رضاه وإفتائِه به ليس مخالفًا لدين الملِك، وقد قيل: معنى الاستئناءِ إلا أن يشاء الله أن يجعل ذلك الحكمَ حكمَ الملكِ.